-

فهم سلوك الطفل: بين العناد والاحتواء

فهم سلوك الطفل: بين العناد والاحتواء
(اخر تعديل 2025-07-17 09:27:28 )
بواسطة

عندما يعاند الطفل أو يرفض التعاون، يتجه الأهل بشكل طبيعي إلى توجيههم نحو السلوك الصحيح، مثل قولهم: "لا تفعل" أو "انتبه". لكن ماذا لو كان وراء هذا العناد شعور خفي؟ ماذا لو كان السلوك المزعج يعبر عن حالة من الخوف، أو الوحدة، أو حتى طلب الانتباه؟

في عالم التربية، هناك لحظات لا يحتاج فيها الطفل إلى التوجيه، بل إلى احتضان يحتوي مشاعره قبل معالجة سلوكه. إن فهم التوقيت الدقيق بين التوجيه والاحتضان قد يكون الفارق بين طفل يشعر بالأمان وآخر يتعلم كبت مشاعره.

الطفل لا يختبرك بل يعبّر

تعبير طفل

غالباً ما يُساء تفسير سلوك الأطفال، خاصةً في المواقف التي تظهر فيها نوبات الغضب أو الرفض. يعتقد الكثير من الأهل أن الطفل "يختبر الحدود" أو "يتلاعب"، في حين أن الحقيقة هي أن الطفل يكون غالبًا في حالة غمر عاطفي، لا يمتلك الأدوات الكافية للتعبير عن مشاعره.

في تلك اللحظات، قد يزيد التوجيه من شعور الطفل بالعجز، بينما الاحتضان، سواء كان حضنًا فعليًا أو تواصلًا هادئًا بالعين أو تعبيرًا لفظيًا متفهمًا، مثل: "أرى أنك منزعج جدًا الآن"، يمنحه شعورًا بالأمان الداخلي. وهذا بدوره يُهيئه لاحقًا لتقبل التوجيه وقبول التصحيح.

كيف تميّزين بين لحظة تحتاج احتضانًا وأخرى تحتاج توجيهًا؟

الأمر لا يتوقف على عمر الطفل فقط، بل يعتمد أيضًا على حالته النفسية في تلك اللحظة. إليك بعض المؤشرات التي تشير إلى أن طفلك لا يحتاج إلى توجيه في الوقت الحالي، بل إلى احتواء:

  • نبرة صوته مرتفعة أو مرتجفة، وعيناه تلمعان بالدموع.
  • تصرفه يبدو غير معتاد: كالصراخ المفاجئ، أو التراجع الدرامي، أو الانهيار عند مواقف بسيطة.
  • تكرار السلوك رغم التنبيهات، مما يدل على أنه ليس لديه القدرة على السيطرة، وليس أنه يتعمد الخطأ.
  • وجود تغييرات حديثة في حياته: مثل ولادة أخ، تغيير مدرسة، أو توتر عائلي.

في مثل هذه الحالات، يمكن أن يكون الاحتضان، أو النزول إلى مستوى الطفل بصوت هادئ ولمسة حانية، أكثر تأثيرًا من أي توجيه منطقي.
بارينيتي الحلقة 68

الاحتضان لا يعني التغاضي

من المهم أن نوضح أن الاحتضان لا يُلغي دور التوجيه، بل يسبقه. الطفل الذي يشعر بالأمان والاحتواء يكون أكثر استعدادًا لتقبل التصحيح وتعديل سلوكه. بعد أن يهدأ، يمكن الحديث معه عن السلوك الخاطئ وتوضيح البدائل بشكل حازم وهادئ.

على سبيل المثال، بعد أن يهدأ الطفل الذي صرخ ورمى لعبته، يمكننا أن نقول له: "كنت غاضبًا جدًا، وأنا هنا دائمًا لأساعدك.. لكن لا يمكننا رمي الأشياء. ما رأيك أن نصرخ في الوسادة أو نطلب المساعدة بالكلمات؟"

في لحظات الانهيار العاطفي، لا يُربّى الطفل بالعقاب ولا حتى بالنصح، بل بالاقتراب الإنساني. قد لا يتذكر الطفل الكلمات التي قيلت له، لكنه سيتذكر جيدًا من وقف بجانبه حين لم يستطع الوقوف بنفسه.

في رحلة التربية، تذكّري دائمًا: عندما يعجز الطفل عن التصرف بحكمة، فهذه ليست دعوة للعقاب، بل نداء للاقتراب. والاقتراب يبدأ أحيانًا بحضن.