فهم سلوكيات الأطفال من منظور نفسي

عندما يتصرف طفلك بطريقة غير متوقعة أو غريبة، قد تتبادر إلى ذهنك أفكار مثل "يختبرني" أو "يتدلل" أو حتى "في مزاج سيئ". لكن، ماذا لو كانت تصرفاته تحمل رسائل أعمق، تتعلق بمشاعر يبحث عن مخرج لها؟ في مقال نشره موقع Psychology Today، يسلط المعالج النفسي والكاتب إيفان شُوبر (Evan Shopper, LICSW) الضوء على كيفية فهم سلوكيات الأطفال من منظار مختلف، مستندًا إلى أدوات يستخدمها المعالجون النفسانيون، وهي "آليات الدفاع النفسية".
حرب الجبالي الحلقة 18
هذه الآليات، التي قد تبدو معقدة بالنسبة للكبار، يستخدمها الأطفال بشكل فطري كوسيلة لحماية أنفسهم من مشاعر قد تكون فوق قدرتهم على التحمل أو التعبير. المقال يتناول ثلاث آليات دفاعية رئيسة تفسر الكثير من تصرفات الأطفال اليومية، مما يمنح الأهل مفاتيح لفهم مشاعر أطفالهم وتفسير سلوكياتهم بطريقة أكثر وعيًا وتعاطفًا.
لماذا يلجأ الأطفال إلى آليات الدفاع النفسية؟

منذ سن مبكرة، يبدأ الأطفال في استخدام آليات دفاعية لحماية أنفسهم من مشاعر قد تكون مؤلمة أو مربكة. هذه الآليات لا تشير بالضرورة إلى أن الطفل يعاني من اضطراب نفسي، بل هي وسائل فطرية تساعده على البقاء في حالة من التوازن النفسي.
عندما يكون الأهل على دراية بهذه الآليات، يصبح بإمكانهم تفسير سلوك الطفل بصورة أدق، ومن ثم الاستجابة بطريقة أكثر دعمًا وتعاطفًا.
1. التجنّب.. الإنكار والكبت
التجنّب هو إحدى الوسائل الأولى التي يلجأ إليها الأطفال للهروب من مواقف غير مريحة. على سبيل المثال، إذا شعر الطفل بالقلق من الذهاب إلى المدرسة، فقد يبدأ في افتعال مواقف تشتت انتباهه، مثل التركيز على شيء بسيط كفراشة تمر في الحديقة.
ومع تصاعد المشاعر، قد يتطور التجنب إلى إنكار، حيث يقنع الطفل نفسه بأن الخلافات بين والديه مجرد مزاح، وليس شجارًا حقيقيًا. وإذا زادت حدة المواقف، قد يلجأ الطفل إلى الكبت، أي دفن الحدث بالكامل خارج وعيه، مما يساعده على الاعتماد على والديه كمصدر للأمان.
2. إسقاط مشاعره على الآخرين
في هذه الآلية، يقوم الطفل بإسقاط مشاعره الصعبة على الآخرين. فإذا كان يشعر بالغضب أو الحزن، قد يتهم شقيقه أو صديقه بأنه غاضب أو حزين. هذا السلوك يمكّن الطفل من التعبير عن مشاعره دون الحاجة لتحملها بشكل مباشر.
يستشهد شوبر بمثال من طفولته عندما كان يسمع أصدقاءه في ساحة اللعب يهددون بعضهم بعبارات مثل: "سأضربك لتشعر بما شعرت به". وعلى الرغم من أن هذه التهديدات تبدو سلبية، إلا أنها تعكس في الحقيقة طلبًا غير مباشر للتعاطف: "أريدك أن تفهم شعوري". هذه الآلية تساعد الطفل في التعبير عن مشاعره عندما لا يمتلك الكلمات المناسبة للتعبير عنها.
3. التشكيل العكسي
تحدث هذه الآلية عندما يتصرف الطفل بعكس ما يشعر به تمامًا. مثل أن يظهر حبًا مفرطًا لأخيه الرضيع، رغم أنه قد يشعر بالغيرة أو الاستياء في داخله. قد يعانقه بشدة ويغمره بالقبلات، مما يدفع الوالدين للقلق، لا من فرط المحبة، بل من احتمال وجود مشاعر خفية لم يتم التعبير عنها.
الكبار أيضًا يستخدمون هذه الآلية، مثل التودد المفرط لشخص لا يمكن تحمله، لأن التعبير الصادق عن المشاعر قد يؤدي إلى صدامات.
كيف يمكنك دعم الطفل؟
يمكنك دعم طفلك في ظل هذه الآليات من خلال عدة طرق تدعم الموقف ومشاعر الطفل:
الانتباه لمشاعرهم الخاصة
ما يشعر به الأهل عند تفاعلهم مع الطفل قد يكون مرآة لمشاعره. فإذا أثار سلوك الطفل مشاعر الحزن أو الإحباط، فقد يكون الطفل يُسقط هذه المشاعر عليهم دون وعي. أما إذا كان سلوكه مبالغًا في الإيجابية، فقد يكون ذلك مؤشرًا على تشكيل عكسي.
تسمية المشاعر بصوت واضح
عندما تتمكن الأم من ملاحظة المشاعر الكامنة خلف آلية الدفاع، يصبح من المهم التعبير عنها بطريقة خفيفة وغير مباشرة، خاصة إذا كانت المشاعر قوية أو مكبوتة.
يجب أن يكون الحديث عن هذه المشاعر قصيرًا وغير ضاغط، مع ترك مساحة للعودة إلى الموضوع لاحقًا. ليست آليات الدفاع علامات خطر دائمًا، بل قد تكون الوسيلة الوحيدة للطفل لتنظيم عالمه الداخلي. ولكن عندما تكون الأم حاضرة وواعية لها، يمكنها أن تتحوّل إلى مرشد عاطفي حقيقي يساعد الطفل على فهم مشاعره والتعبير عنها بأمان.