فهم مشاعر الأمهات تجاه الرضاعة الطبيعية

عندما يُذكر موضوع الرضاعة الطبيعية، يتبادر إلى الأذهان عادةً الفوائد الغذائية والصحية التي تُقدمها للأبناء في أشهرهم الأولى. ومع ذلك، فإن هناك جانبًا آخر لهذا الموضوع لا يتم الحديث عنه كثيرًا، وهو مشاعر بعض الأمهات التي قد تتعارض مع فكرة الإرضاع. فبعضهن قد يشعرن بالرفض أو الانزعاج من التجربة، وليس نتيجة عوائق طبية أو جسدية، بل بسبب أسباب نفسية وعاطفية معقدة.
هذه الظاهرة ليست نادرة كما يعتقد البعض، بل هي موثقة بالفعل في العديد من الدراسات العلمية، لكنها تترافق مع شعور عميق بالذنب والخوف من الأحكام الاجتماعية.
الأسباب النفسية وراء رفض الرضاعة الطبيعية

هناك عدة أسباب نفسية قد تجعل بعض الأمهات يشعرن بصعوبة أو عدم راحة أثناء تجربة الرضاعة الطبيعية. إليك أبرز هذه الأسباب:
1. ارتباط سلبي سابق
بعض الأمهات قد يكنّ قد مررن بتجارب سلبية تتعلق بأجسادهن أو الثدي، مثل المواقف المحرجة أو الضغوط الاجتماعية، مما يجعل تجربة الرضاعة تستحضر مشاعر القلق أو النفور بدلاً من الأمان.
ليلى مدبلج الحلقة 201
2. فقدان السيطرة والشعور بالتقييد
قد تشعر بعض الأمهات بأن أجسادهن لم تعد ملكًا لهن أثناء الرضاعة، مما يولد شعورًا بعدم الاستقلالية يقود إلى مقاومة أو رفض، خصوصًا عند الأمهات اللواتي يقدّرن حرية الاختيار.
3. الانزعاج الحسي (Sensory Aversion)
تعبر بعض النساء عن شعورهن بعدم الراحة أثناء الرضاعة، وقد يصل الأمر إلى الشعور بالاشمئزاز في بعض الأحيان. وهذا يرتبط بما يُعرف بفرط الحساسية الجسدية، حيث يؤدي اللمس المتكرر إلى توتر عصبي.
4. الخوف من الفشل أو عدم الكفاية
تشعر العديد من الأمهات بالقلق من عدم كفاية حليبهن لإشباع أطفالهن، مما يقودهن إلى تجنب تجربة الرضاعة تمامًا خوفًا من مواجهة مشاعر العجز.
5. اكتئاب أو قلق ما بعد الولادة
تشير العديد من الدراسات إلى أن اكتئاب ما بعد الولادة أو اضطرابات القلق تجعل من الصعب على الأمهات تكوين ارتباط إيجابي مع الرضاعة، حيث قد يشعرن بالانفصال العاطفي وعدم الرغبة في خوض التجربة.
ما الذي تقوله الدراسات العلمية؟

تشير الأبحاث إلى أن رفض الرضاعة الطبيعية أو الشعور بالانزعاج منها ليس أمرًا نادرًا كما يُعتقد. فقد سلطت دراسة نشرت في مجلة Maternal & Child Nutrition عام 2019 الضوء على ظاهرة "الانزعاج أو النفور من الرضاعة الطبيعية"، مؤكدة أنها حالة أكثر شيوعًا مما يتخيله الناس.
كما أظهرت أبحاث في Journal of Human Lactation أن الحالة النفسية للأمهات، بما في ذلك مستويات التوتر والاكتئاب بعد الولادة، تلعب دورًا حاسمًا في قرار استمرارهن في الرضاعة أو التوقف عنها.
من جهة أخرى، أكدت منظمة الصحة العالمية على أهمية الدعم النفسي والاجتماعي في الأسابيع الأولى بعد الولادة، حيث يسهم ذلك بشكل كبير في زيادة معدلات النجاح في الرضاعة الطبيعية.
كيف يمكن التعامل مع هذه الحالة؟
- التفهم بدلًا من اللوم: من المهم أن تدرك الأمهات أن مشاعرهن طبيعية، وليست عيبًا في أمومتهن.
- طلب الدعم النفسي: استشارة مختص نفسي أو الانضمام إلى مجموعات دعم للأمهات يمكن أن تساعد في تجاوز المشاعر السلبية.
- التدرج والتجريب: قد تساعد المحاولات القصيرة والمرنة في تقليل حدة الرفض.
- استخدام بدائل: في حال استمرار النفور، يمكن اللجوء إلى الحليب المسحوب أو الحليب الصناعي تحت إشراف طبي، مع التركيز على استمرار الرابط العاطفي من خلال اللمس والاحتضان.
إن رفض بعض الأمهات للرضاعة الطبيعية ليس قرارًا سطحيًا، بل هو انعكاس لتجارب نفسية معقدة. الاعتراف بهذه المشاعر والتعامل معها بوعي ودعم يفتح المجال أمام الأمهات لاختيار ما يناسبهن دون شعور بالذنب. فالأمومة ليست شكلًا واحدًا، والحب والرعاية يمكن أن يُقدما بأشكال متعددة، والرضاعة الطبيعية هي مجرد وسيلة من وسائلها، وليست المقياس الوحيد لها.