-

فهم مشاعر الآخرين وتأثيرها على سعادتنا

فهم مشاعر الآخرين وتأثيرها على سعادتنا
(اخر تعديل 2025-01-14 07:11:33 )
بواسطة

لطالما اعتقدنا أن قدرتنا على قراءة مشاعر الآخرين هي أساس بناء علاقات قوية وفعّالة. ففهم حزن صديق أو إحباط زميل في العمل قد يكون مفتاحًا للتواصل العاطفي والتفاهم. لكن ماذا لو علمت أن تفسيرنا لتلك المشاعر قد يؤثر بشكل كبير على سعادتنا الشخصية وصحتنا النفسية؟

علاقة فهم مشاعر الآخرين بسعادتنا الشخصية

فهم المشاعر

في دراسة حديثة، قام فريق من الباحثين بتحليل تأثير القدرة على تفسير المشاعر بدقة في 12 ثقافة مختلفة، وكانت النتيجة مفاجئة. الدراسة اعتمدت على نموذج "تقييم المشاعر في السياق" (ACE) الذي يختلف عن الطرق التقليدية التي اعتمدت في الماضي على صور ثابتة لوجوه بشرية. بدلًا من ذلك، قام الباحثون بتقييم قدرة المشاركين على قراءة المشاعر في سياقات اجتماعية واقعية، حيث يتم أخذ لغة الجسد، نغمة الصوت، والسياق الاجتماعي بعين الاعتبار.

الفهم العاطفي وتأثيره على السعادة

النتيجة الرئيسية من الدراسة كانت أن الأشخاص الذين يتمتعون بقدرة أكبر على قراءة المشاعر بدقة، أظهروا مستويات أعلى من الرضا عن حياتهم، وقلة الشعور بالوحدة. فكلما كانت قراءتهم للمشاعر أكثر دقة، كلما كانت تفاعلاتهم الاجتماعية أكثر إيجابية ودعمًا. وهذا يؤكد أن القدرة على قراءة مشاعر الآخرين بشكل صحيح تساعد في تعزيز الروابط الاجتماعية؛ ما يؤدي إلى تحسين الصحة النفسية وزيادة الشعور بالسعادة.

في المقابل، فإن الأشخاص الذين يميلون إلى تفسير المشاعر بشكل خاطئ، سواء من خلال إضفاء مشاعر غير موجودة أو قراءة إشارات غير دقيقة، غالبًا ما يشعرون بالوحدة. تخيل أنك دائمًا تفترض أن الأشخاص من حولك غاضبون أو مستاؤون منك، رغم أنهم قد يكونون في حالة مزاجية جيدة. هذا النوع من التفسير الخاطئ قد يعمق مشاعر العزلة، ويضعف الروابط الاجتماعية.

التحيز العاطفي هو الجانب الإيجابي

التحيز العاطفي

من المثير أن الدراسة أظهرت أيضًا أن التحيز العاطفي، أي القراءة الخاطئة للمشاعر، قد لا يكون دائمًا سلبيًا. بعض المشاركين الذين كانوا يميلون إلى قراءة المشاعر بشكل مبالغ فيه أو خاطئ في بعض الأحيان، أظهروا مستويات أعلى من المشاعر الإيجابية في تفاعلاتهم اليومية. ربما هؤلاء الأشخاص كانوا أكثر حساسية للأجواء الإيجابية؛ ما جعلهم يشعرون بسعادة أكبر، حتى في المواقف التي لا تتطلب تفسيرًا دقيقًا.

هذه النتيجة تبرز مدى تعقيد العلاقات الإنسانية. فالتحيز العاطفي قد يكون له أبعاد مزدوجة؛ فقد يؤدي إلى تعزيز المشاعر الإيجابية في بعض الحالات، بينما يكون له تأثير سلبي في حالات أخرى.

تفسير المشاعر: دائرة مفرغة من الإيجابية والسلبية

دائرة المشاعر

في دراسة أخرى شملت المشاركين في تفاعلات اجتماعية يومية، تبين أن الذين يمتلكون قدرة عالية على قراءة المشاعر بدقة كانوا أكثر قدرة على تفسير تفاعلاتهم على أنها إيجابية وداعمة. فحتى عندما كانت التفاعلات في الواقع لا تختلف كثيرًا عن الآخرين، كان هؤلاء الأشخاص يلتقطون إشارات دافئة وأسلوبًا إيجابيًا في تصرفات الآخرين. هذا يخلق دائرة مفرغة من الإيجابية: فهم يرون الخير، يشعرون بالخير، ويستمرون في إيجاد المزيد من الخير في تفاعلاتهم.

في المقابل، الأشخاص الذين يميلون إلى التحيز العاطفي كان لديهم تصورات سلبية، حتى في الحالات التي كانت إيجابية؛ ما أثر بشكل سلبي على رفاههم العام.

كيف يمكننا تحسين قدرتنا على قراءة المشاعر؟

ما العمل إذًا إذا كان تفسيرنا العاطفي قد يؤثر بشكل كبير على سعادتنا؟ الخبر الجيد هو أن هذه المهارة، مثل أي مهارة أخرى، يمكن تحسينها بالتدريب والممارسة. أولاً، يجب أن نبدأ بالانتباه لما يقوله الآخرون وكيف يقولونه. نبرة الصوت، لغة الجسد، والسياق الذي يتحدثون فيه قد تحمل إشارات مهمة قد تغيب عنا إذا لم نكن واعين لها.

كذلك، من المهم أن نكون صادقين مع أنفسنا: هل الافتراضات التي نكوّنها عن مشاعر الآخرين مستندة إلى الواقع، أم أنها مجرد إسقاطات لأنماطنا النفسية؟ في النهاية، المشاعر لا توجد من فراغ؛ إنها تتشكل ويتم التعبير عنها من خلال تفاعلاتنا الاجتماعية. إذا تعلمنا قراءة تلك التفاعلات بعناية، نكون قد اقتربنا من بناء روابط اجتماعية صحية ومستدامة؛ ما يعزز من سعادتنا ورفاهنا النفسي.


عائلة شاكر باشا الحلقة 4