-

العمل من المقاهي: إنتاجية أم هروب؟

العمل من المقاهي: إنتاجية أم هروب؟
(اخر تعديل 2025-09-04 08:11:25 )
بواسطة

أصبح من الشائع رؤية العديد من الأشخاص يعملون على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم في المقاهي. هذا الاتجاه، الذي كان يُنظر إليه سابقًا على أنه مجرد موضة عابرة، قد تحول اليوم إلى جزء لا يتجزأ من روتين الكثيرين، خاصةً في مجالات العمل الحر والإبداعي. ولكن، هل يعكس هذا التغيير رغبة حقيقية في الهروب من بيئة المكتب التقليدية، أم أنه يمثل استراتيجية مدروسة تهدف لزيادة التركيز والإنتاجية؟

في هذا السياق، تناولت المجلة العلمية The Journal of Organizational Psychology مفهومًا يدعى تأثير المقهى، مشيرةً إلى أن الضوضاء الخلفية المعتدلة والأجواء الديناميكية قد تحفز الإبداع وتعزز من مستوى التركيز. كما نقلت المجلة عن دراسة متخصصة، أن هذه البيئة توفر تشتيتًا مثاليًا يمنع العقل من الشعور بالملل، مما يسمح له بالبقاء في حالة من التدفق الفكري.

هل العمل من المقهى يزيد الإنتاجية أم هو مجرد هروب؟

مكتب في مقهى

هناك وجهات نظر متعددة حول هذه الطريقة من العمل، والجواب يعتمد بشكل كبير على طبيعة الفرد ونوع العمل الذي يقوم به:

المقهى كبيئة محفزة للإنتاجية

العمل في المقهى يمكن أن يشكل بيئة مثالية لزيادة الإنتاجية، خاصةً بالنسبة لأولئك الذين يفضلون التنوع. فالضوضاء المحيطة، التي قد تبدو للبعض مصدر إزعاج، قد تكون محفزًا إيجابيًا للبعض الآخر. هذه الضوضاء، التي تُعرف باسم الضوضاء البيضاء، تساعد على عزل الأفكار وتوفير خلفية صوتية مناسبة تمنع العقل من الانجراف بعيدًا في الأفكار الداخلية.

علاوة على ذلك، فإن الشعور بالانتماء إلى مجتمع من الأفراد المنتجين — حتى لو كان وجودهم صامتًا — يمكن أن يخلق حافزًا غير مباشر للعمل الجاد. يمكن للناس الذين يعملون في نفس المكان أن يشجعوا بعضهم البعض دون الحاجة إلى التفاعل المباشر، مما يسهم في خلق نوع من الانضباط الذاتي.

المقهى كوجهة للهروب

على الجانب الآخر، يمكن أن يكون العمل في المقهى وسيلة للهروب من بيئة العمل الرسمية وما يرافقها من ضغوط. بالنسبة للكثيرين، يمثل هذا الخيار شعورًا بالحرية والاستقلالية، حيث يتيح لهم الابتعاد عن بيئة المكتب التي قد تكون خانقة أو مرهقة.

قد يكون الهروب من التفاعلات الاجتماعية المستمرة أو الاجتماعات غير الضرورية في المكتب دافعًا أساسيًا لاختيار العمل من المقهى. لكن يجب الانتباه، فإن هذا الهروب لا يعني بالضرورة الكسل أو عدم الرغبة في العمل، بل قد يكون مجرد وسيلة لإيجاد مساحة شخصية تسمح للفرد بالتحكم في يومه بشكل أفضل.

مع ذلك، إذا لم يتم التحكم في هذا الهروب، فقد يتحول إلى مصدر للتشتيت بسبب الأشخاص المارين أو الضوضاء الزائدة، مما يقلل من الإنتاجية بدلاً من تعزيزها. بالإضافة إلى ذلك، قد يواجه العاملون خطر فقدان أعمالهم إذا كانت طبيعة عملهم لا تسمح لهم بمغادرة المكتب بشكل متكرر.

في الختام، لا يمكن اعتبار العمل في المقهى هروبًا أو استثمارًا في الإنتاجية بحد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق أحد الأمرين وفقًا للفرد وطبيعة عمله. فبينما يجد البعض فيه مصدرًا للتشتيت، هناك من يعتبره البيئة المثلى للعمل بنجاح.
ليلى مدبلج الحلقة 201