زياد الرحباني: عبقري الموسيقى والمسرح العربي
في عالم الموسيقى والمسرح العربي، يظهر زياد الرحباني كأحد أبرز الأسماء التي تركت بصمة واضحة. يجمع بين التأثير والإثارة للجدل بأسلوبه الفريد والساخر الذي يعكس الواقع اللبناني بعمق وكوميديا، مما جعله علامة فارقة في تاريخ الموسيقى العربية والمسرح الحديث. وبمناسبة ذكرى ميلاده، دعونا نستعرض سويًا أبرز محطات حياته ومسيرته الفنية.
النشأة في كنف العباقرة
وُلد زياد الرحباني في 1 يناير / كانون الثاني 1956 لعائلة فنية مرموقة، حيث كانت والدته هي المطربة فيروز، بينما كان والده عاصي الرحباني، أحد أعمدة الموسيقى والمسرح اللبناني. منذ نعومة أظافره، أظهر زياد موهبة فذة، حيث كان يُدندن ألحانًا من تأليفه في سن مبكرة. اكتشف والده عاصي هذه العبقرية عندما سمع لحنًا مبتكرًا لم يُسمع من قبل، مما أذن ببدء مسيرة زياد الإبداعية.
البدايات الفنية.. موسيقى وشعر
انطلقت مسيرة زياد الفنية بكتابة الأعمال الشعرية خلال فترة مراهقته، حيث كتب ديوانه "صديقي الله". ولكن سرعان ما اختار التركيز على الموسيقى، وكانت أولى أعماله لحن "ضلك حبيني يا لوزية" في عام 1971. في عمر السابعة عشرة، قدّم أغنية "سألوني الناس" لفيروز، والتي أصبحت علامة فارقة في مسيرته ومسيرة والدته، حيث عبرت عن غياب والده أثناء مرضه. حققت الأغنية نجاحًا ملحوظًا، وأظهرت قدرة زياد الفائقة على المزج بين الإرث الرحباني وتجديد الموسيقى العربية.
الأمل لا يمكن تقييده مدبلج الحلقة 41
نقلة نوعية في المسرح
مسرح زياد كان مساحة خاصة لتألقه، حيث بدأ بمسرحية "سهرية"، التي حافظت على الطابع الرحباني التقليدي. لكن سرعان ما أطلق نمطًا جديدًا من المسرح السياسي الواقعي، منتقدًا الظروف الاجتماعية والسياسية بجرأة لا مثيل لها، خاصة خلال الحرب الأهلية اللبنانية. أصبحت أعماله مثل "فيلم أميركي طويل" و"بخصوص الكرامة والشعب العنيد" مرآة تعكس آلام الناس وآمالهم.
حياة شخصية مليئة بالتحديات
لم تخلُ حياة زياد من التحديات، حيث واجه محطات صعبة بدءًا من زواجه من دلال كرم الذي انتهى بخلافات. كما عاش علاقة طويلة مع الممثلة كارمن لبس، التي كانت مصدر إلهام للعديد من أعماله الموسيقية. ولم تخلُ حياته أيضًا من الجدل، خاصة بسبب قضايا عائلية، مثل إنكاره أبوته لعاصي الابن، مما أثار ضجة واسعة في الصحافة اللبنانية.
الوجه السياسي والكتابات الصحفية
كان زياد صريحًا في مواقفه السياسية، حيث أظهر انتماءً عميقًا للحزب الشيوعي اللبناني. اتسمت كتاباته الصحفية، خاصة في جريدة "الأخبار"، بجرأة غير مسبوقة، مما جعله صوتًا مؤثرًا في الإعلام اللبناني، حيث ناقش القضايا الاجتماعية والسياسية بعمق.
إرث فني خالد
بفضل موهبته المتعددة كملحن وكاتب وعازف بيانو، استطاع زياد الرحباني إعادة تعريف الموسيقى والمسرح في العالم العربي. إرثه الفني لا يزال يلهم الأجيال الجديدة، سواء من خلال ألحانه الخالدة أو مسرحياته التي تبقى شاهدة على واقع لبنان والعالم العربي. إن زياد الرحباني ليس مجرد فنان، بل هو ظاهرة فنية وإنسانية تعكس عمق التجربة اللبنانية. وبفضل أعماله المميزة وشخصيته الجدلية، سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الفن العربي كواحد من أعظم المبدعين.