-

أخطاء شائعة في الاجتهاد وكيفية تجنبها

(اخر تعديل 2025-04-17 10:19:35 )
بواسطة

في عالمٍ يرفع راية الإنتاجية ويُمجّد الإنجاز، ويكافئ الانشغال، أصبح الاجتهاد بمثابة جواز سفر نحو التقدير والفرص. نكبر ونحن نسمع حكمة "من جدّ وجد"، مما يزرع فينا الإيمان بأن العمل الشاق هو السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف، وأن المثابرة هي سمة الأفراد الناجحين الذين يحققون إنجازاتهم.

من الطبيعي، بل المتوقع، أن نطمح إلى تقديم أفضل ما لدينا، وأن نشعر بالفخر عندما يُنظر إلينا كأشخاص موثوقين لا يعرفون الكسل ولا يخذلون من يعتمد عليهم. لكن، في خضم هذا البريق الذي يحيط بصورة "الشخص المجتهد"، تظهر مفارقة صامتة: هل يمكن أن يتحول الإصرار على التفوق من دافع للإنجاز إلى عائق خفي يثقل خطواتنا؟

الواقع أن الاجتهاد، رغم كونه فضيلة، لا يكفي وحده. في بعض الأوقات، قد يكون سببًا لاستنزاف طاقتنا، وتشتيت أولوياتنا، أو حتى تعطيل تقدمنا حين نستخدمه في غير موضعه. فأن تعمل بجهد لا يعني بالضرورة أنك تعمل بذكاء، وقد يقع أكثر الناس التزامًا وضميرًا في فخاخ لا يراها إلا بعد أن يرهقه الركض الطويل.

الوجه الآخر للاجتهاد

في السطور التالية، نستعرض خمسة أخطاء شائعة يرتكبها أصحاب العمل الدؤوب. هذه الأخطاء لا تنبع من التقصير بل من الحماسة الزائدة والرغبة في الإنجاز. وقد تجد نفسك في واحد منها دون أن تدري.

1. محاولة الإتقان قبل الأوان

في بدايات أي مشروع أو مهارة، ليس المطلوب هو الكمال، بل التعلم والمحاولة. البعض يبدأ بتعقيد الأمور مبكرًا، ويخطط لأدق التفاصيل قبل أن يختبر الأساسيات. كأن تشتري أدوات احترافية للطهي بينما ما زلت تتعلم كيفية غلي الماء، أو تضع خطة تسويقية معقدة لتطبيق لم يحمله سوى عشرة أشخاص. التسرع في التحسين قد يبعدك عن الهدف الحقيقي: الجرأة على المحاولة، بدلاً من التمكن منذ اللحظة الأولى.

2. استخدام العمل الجاد في كل المواقف

الاجتهاد أداة ثمينة، لكن ليس من الحكمة استخدامها دائمًا وفي كل مهمة. أحيانًا، يكون التراجع أو تبسيط الجهد هو الحل الأذكى. هناك قرارات لا تحتاج لكثرة التفكير، ومواقف تُحلّ من تلقاء نفسها إن أُعطيت المساحة. حتى العقل يحتاج إلى لحظات من "اللا تركيز" ليجد الحلول بطريقة مبتكرة، كما يحدث حين يخطر لك الجواب أثناء الاستحمام، بعد ساعات من التفكير العقيم.

3. التركيز على التفاصيل الصغيرة وتجاهل الصورة الكبرى

الركض خلف الكمال في الأمور البسيطة قد يسرق منك وقتًا وجهدًا كان من الأفضل استثمارهما في الأولويات. لا فائدة من تنظيم مكتبك بإتقان بينما تهمل صحتك أو علاقتك الأسرية. المجتهدون يميلون بطبيعتهم إلى الانغماس في العمل، لكن هذا الانغماس قد يحجب عنهم مشاكل أكبر تحتاج إلى انتباههم.

4. رفض تفويض المهام أو إشراك الآخرين

الكثير من الأشخاص المجتهدين يشعرون بأنهم وحدهم القادرون على تنفيذ المهام بشكل جيد، فيتحملون أعباءً زائدة ويرفضون إشراك زملائهم أو أفراد عائلاتهم. لكن تفويض المهام لا يعني بالضرورة التنازل عن الجودة، بل هو فرصة لبناء الثقة وتطوير مهارات الآخرين، وربما إيجاد وقت لأنفسنا للراحة أو الابتكار.

5. تجاهل العقبة الحقيقية والتركيز على زيادة الجهد فقط

عندما تواجه صعوبة في إنجاز أمر ما، لا يعني ذلك دائمًا أنك بحاجة إلى بذل جهد أكبر. أحيانًا تكون المشكلة في عامل خارجي بسيط مثل عدم وجود وقت كافٍ، أو بيئة غير مساعدة، أو نقص في الأدوات. بدلًا من مضاعفة العمل، توقف واسأل نفسك: ما الذي يعيقني فعلاً؟ الحل قد يكون أسهل مما تتوقع.

العمل الجاد لا يفقد قيمته، لكنه يصبح أكثر تأثيرًا حين يُستخدم بذكاء. ليس المطلوب أن تخفف من شغفك أو أن تُقلل من التزامك، بل أن تختار معاركك بحكمة. اعرف متى تبذل جهدك الكامل، ومتى تترك الأمور تسير بسلاسة. المجتهد الذكي لا يعمل أكثر... بل يعمل بشكل أذكى.


يوم آخر الحلقة 10