تحدي الموت: هل يمكننا إعادته للحياة؟
ماذا لو كان الموت ليس النهاية التي نعتقدها؟ هل يمكن أن يكون مجرد مرحلة مؤقتة يمكن تجاوزها؟ تخيل أنك تستطيع إيقاف الزمن عند لحظة وفاتك، في انتظار تقدم علمي قد يتيح علاج جميع الأمراض. يبدو أن هذا الحلم قد يصبح واقعاً بفضل شركة "تومورو بيوستاسيس" Tomorrow Biostasis، التي تسعى لتحقيق هذا الهدف الطموح.
تعتمد الشركة على تقنية مبتكرة تعرف باسم الحفظ بالتبريد، حيث يجمد العلماء الحياة في انتظار يوم قد يعود فيه الأمل للإنسانية. فهل نحن أمام ثورة علمية قد تغير مفهوم الحياة والموت، أم أن الأمر مجرد وهم مكلف لن يتحقق؟
محمد الفاتح مترجم الحلقة 26
ما هو الحفظ بالتبريد؟
الحفظ بالتبريد هو إجراء علمي متقدم يهدف إلى إيقاف العمليات البيولوجية في الجسم بعد الوفاة القانونية. يتم ذلك عن طريق خفض درجة حرارة الجسم إلى 196 درجة مئوية تحت الصفر باستخدام النيتروجين السائل. يتم استبدال سوائل الجسم بأخرى واقية تمنع تلف الأنسجة، مما يسمح بالحفاظ على الجسد في حالة ثابتة على أمل أن تتوفر في المستقبل تقنيات طبية تعيد الحياة إلى الأموات.
كيف تعمل تقنية الحفظ بالتبريد؟
عند وفاة أحد المشاركين في برنامج "تومورو بيوستاسيس"، يتلقى فريق الطوارئ إشعاراً فورياً ويُرسل إلى المكان في أسرع وقت ممكن. يبدأ الفريق بتبريد الجسم باستخدام الثلج والماء، بالتزامن مع إجراء إنعاش قلبي رئوي وإعطاء أدوية خاصة لحماية الأنسجة.
بعد ذلك، تُستبدل سوائل الدورة الدموية بمحاليل تمنع تكوّن البلورات الثلجية داخل الخلايا. بعد إتمام هذه الخطوات، يُنقل الجسد إلى منشأة تخزين متخصصة في سويسرا، حيث يتم حفظه في حاويات مملوءة بالنيتروجين السائل.
ما تكلفة الحياة الثانية؟
تعتمد "تومورو بيوستاسيس" نموذج اشتراك مرن يتضمن رسوماً شهرية تبلغ حوالي 55 دولاراً أميركياً، تشمل خدمات الطوارئ والتجهيزات. أما تكلفة الحفظ على المدى الطويل فتُقدّر بحوالي 218,000 دولار لحفظ الجسم بالكامل، و82,000 دولار لحفظ الدماغ فقط. ومع ذلك، غالباً ما يقوم المشتركون بتغطية هذه التكاليف من خلال التأمين على الحياة، حيث تُخصص الأقساط الشهرية لتأمين المبلغ المطلوب في المستقبل.
الإجراءات القانونية والوثائق
لضمان تنفيذ عملية الحفظ بالتبريد بسلاسة، توفر الشركة للمشتركين مجموعة من الوثائق القانونية. تشمل هذه الوثائق عقد الحفظ بالتبريد الذي يوضح بالتفصيل الاتفاق بين المشترك والشركة، وإرادة أخيرة تحدد رغبة الشخص في التبرع بجسده لعملية الحفظ بالتبريد، وتوجيهات مسبقة للمريض التي تسهل عملية الإخطار في حالة الوفاة غير المتوقعة.
تجربة المشتركين والآفاق المستقبلية
حتى الآن، انضم أكثر من 750 شخصاً إلى برنامج "تومورو بيوستاسيس"، وتم حفظ 20 مريضاً بالتبريد، بالإضافة إلى 10 حيوانات أليفة. ورغم أن تقنية إعادة الإحياء لم تُطور بعد، فإن الشركة تراهن على التقدم المستمر في العلوم الطبية والتكنولوجية لتحقيق ذلك في المستقبل. كما تستثمر الشركة بشكل كبير في البحث والتطوير، وتسعى إلى تحسين تقنيات الحفظ بالتبريد وزيادة فرص النجاح.
هل يجب أن نتحدّى الموت؟
يبقى الحفظ بالتبريد مشروعاً مثيراً للجدل، يحمل وعوداً علمية مغرية، ولكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات أخلاقية عميقة. هل يحق للإنسان أن يتحدى قوانين الطبيعة ويسعى لإطالة حياته إلى أجل غير مسمى؟ وماذا عن الفجوة بين من يستطيعون تحمل تكاليف هذه التقنية ومن لا يملكون رفاهية انتظار مستقبل مجهول؟
إذا نجحت هذه المحاولات يوماً ما، كيف سيؤثر ذلك في التوازن الاجتماعي والديموغرافي؟ هل سيكون العالم مستعداً لاستقبال العائدين من الموت، أم أننا نفتح باباً لا نعرف عواقبه؟ بينما تواصل شركة "تومورو بيوستاسيس" وغيرها من الشركات سعيها نحو تحقيق ما كان يوماً حلماً خيالياً، يبقى السؤال الأهم: هل نحن مستعدون حقاً لعالم تُعاد فيه الحياة إلى الموتى؟