-

أعباء الأطفال العاطفية في العلاقات الأسرية

أعباء الأطفال العاطفية في العلاقات الأسرية
(اخر تعديل 2025-03-29 09:11:48 )
بواسطة

في بعض المنازل، ينشأ الأطفال وهم يتحملون أعباء تفوق أعمارهم، ليس فقط من خلال المهام اليومية، بل أيضاً من خلال الأعباء العاطفية التي يتوجب عليهم حملها من عائلتهم، وخاصة من أمهاتهم. قد نجد طفلًا يحاول تهدئة والدته في لحظات حزنها، أو يتجنب إزعاجها ليحميها من القلق، أو حتى يشعر بأنه مسؤول عن سعادتها بأي شكل.

تُعرف هذه الظاهرة أحيانًا بـ "التنشئة العكسية" أو "الأمومة المقلوبة"، حيث يتحول الطفل إلى مصدر الدعم العاطفي لأحد والديه، بدلاً من أن يكون هو من يتلقى الدعم والرعاية.

لكن لماذا يحدث ذلك؟ وما هي تأثيراته على الأطفال عندما يكبرون؟ وهل هناك وسائل لكسر هذه الحلقة المفرغة دون أن يشعر الطفل بالذنب؟

كيف يصبح الطفل مسؤولًا عن مشاعر أمه؟

الطفل وأمه

هناك عدة عوامل تؤدي إلى انتقال الأعباء العاطفية من الأم إلى الطفل، ومن أبرزها:

الاعتماد العاطفي المفرط

بعض الأمهات، خاصة في حالات غياب الأب أو انشغاله، قد يجدن في أطفالهن ملاذًا عاطفيًا يعوضهن عن غياب الشريك. وهنا يصبح الطفل بمثابة المستمع لهمومها، ويُتوقع منه تخفيف معاناتها.

تربية قائمة على الشعور بالذنب

بعض الأمهات -دون وعي- يزرعن في أبنائهن شعورًا بأن سعادتهن مرتبطة بتصرفات الطفل. كأن تقول الأم لطفلها: "سأكون سعيدة عندما تكون جيدًا"، أو "تصرفاتك تجعلني حزينة".

المناخ الأسري المضطرب

عندما ينشأ الطفل في بيئة يسودها التوتر، مثل الطلاق أو المشكلات المالية، أو فقدان أحد الوالدين، قد يشعر بالحاجة إلى حماية والدته عاطفيًا، حتى وإن لم يُطلب منه ذلك بشكل مباشر.
الطائر الرفراف الحلقة 100

غياب الحدود العاطفية

بعض الأمهات يشاركن أطفالهن في مشكلاتهن الشخصية، حتى تلك التي لا تتناسب مع أعمارهم، مما يجعل الطفل يشعر بأنه مسؤول عن إيجاد الحلول أو تخفيف العبء عنها.

كيف يؤثر ذلك على الطفل؟

عندما يتحمل الطفل أعباءً عاطفية تفوق عمره، يمكن أن تنعكس تلك الأعباء على شخصيته وسلوكياته في المستقبل، ومن أبرز هذه التأثيرات:

الشعور بالذنب المزمن

قد يكبر الطفل وهو يشعر بأنه مسؤول عن سعادة الآخرين، مما يجعله يضع احتياجاتهم قبل احتياجاته الخاصة.

ضعف القدرة على التعبير عن المشاعر

لأنه تعوّد على أن يكون "القوي" الذي يدعم والدته، قد يجد صعوبة في التعبير عن ضعفه أو طلب المساعدة عند الحاجة.

الخوف من الاستقلالية

بعض الأطفال الذين نشأوا في هذه البيئة قد يشعرون بأن انفصالهم عن الأم سيؤذيها، مما يجعلهم مترددين في اتخاذ قرارات استقلالية مثل السفر أو الزواج.

الدخول في علاقات غير متوازنة

قد ينجذب هؤلاء الأطفال -عندما يكبرون- إلى شركاء يحتاجون إلى "إنقاذ"، لأنهم اعتادوا على لعب دور الداعم العاطفي في طفولتهم.

كيف يمكن كسر هذه الدائرة؟

استعادة التوازن العاطفي

إذا كنتِ أمًا، أو شخصًا نشأ في بيئة مشابهة، فهناك خطوات يمكن اتخاذها لاستعادة التوازن العاطفي:

إعادة تعريف الأدوار

يجب أن تدرك الأم أنها مسؤولة عن مشاعرها، وأن الطفل ليس مكلفًا بحل مشكلاتها. يجب وضع حدود صحية للعلاقة العاطفية بين الأم وطفلها.

تعزيز استقلالية الطفل

يجب السماح للطفل بأن يكون طفلًا، وأن يعيش مرحلته العمرية دون تحميله مسؤوليات عاطفية لا تناسبه.

تعلم التعبير عن المشاعر بطريقة صحية

بدلاً من إشراك الطفل في الهموم العاطفية، يجب اللجوء إلى الأصدقاء أو المختصين النفسيين للحصول على الدعم المناسب.

مساعدة الطفل على بناء ثقته بنفسه

يجب أن يشعر الطفل بأن قيمته ليست في قدرته على إرضاء الآخرين، بل في ذاته وقدراته الفريدة.

العلاقة بين الأم وطفلها تعتبر من أعمق الروابط الإنسانية، ولكنها يجب أن تكون قائمة على الحب والتوجيه، لا على الاعتماد العاطفي. حماية الطفل من تحمل مسؤوليات عاطفية مبكرة لا تعني التخلي عن الحنان، بل تعني منحه حقه في أن يكون طفلًا سعيدًا، بعيدًا عن الأدوار التي لم يُخلق لأجلها.