-

تحرر من دور الضحية نحو حياة أفضل

تحرر من دور الضحية نحو حياة أفضل
(اخر تعديل 2025-05-03 10:11:35 )
بواسطة

فهم دور الضحية وتأثيره على حياتنا

يمر كل إنسان بمواقف مؤلمة، أو يواجه الظلم أو يتعرض للخيانة، مما يجعله يشعر بالضعف والعجز. هذا الإحساس هو شعور إنساني طبيعي، لكنه يتحول إلى مشكلة عندما يصبح هذا الشعور المؤقت هوية دائمة يتقمصها الفرد في كل تفاصيل حياته. هنا يظهر ما يُعرف بـ"دور الضحية"، وهو نمط نفسي قد يبدو للوهلة الأولى كوسيلة للحماية أو لجذب التعاطف، لكنه في الواقع يعوق النمو الشخصي ويؤثر سلبًا على العلاقات والصحة النفسية.

ما هو "دور الضحية"؟

دور الضحية لا يعني بالضرورة أن الشخص هو ضحية لحدث مؤلم، بل يعني أنه يتبنى هذا الدور كطريقة لفهم العالم من حوله. كل ما يحدث له يُفسر على أنه ظلم مقصود، ويُسقط المسؤولية عن نفسه، متوقعًا من الآخرين إنقاذه أو تعويضه عما فقده. تتكرر عبارات مثل:

  • "أنا لا أملك حظاً في الحياة".
  • "الناس دائمًا يخذلونني".
  • "لا أحد يفهمني أو يقدّر ما أفعله".
  • "كل مشاكلي بسبب الآخرين".

قد تبدو هذه العبارات مألوفة، لكن خلفها يختبئ رفض عميق لتحمل المسؤولية والإصرار على تغيير الواقع.

كيف يتكوّن هذا الدور؟

غالبًا ما يبدأ هذا الدور في الطفولة المبكرة، عندما يواجه الطفل مواقف يشعر فيها بالضعف أو الإهمال أو الرفض، دون وجود الدعم الكافي للتغلب عليها. في تلك اللحظات، يتعلم الطفل أن الاستسلام أو إظهار الألم قد يكون وسيلة لجذب الانتباه والحماية. ومع مرور الوقت، يتجذر هذا السلوك ليصبح نمطًا شائعًا في تعاملاته، مفضلًا البقاء في منطقة الراحة، حتى لو كانت مؤلمة، على مواجهة الواقع وتحمل مسؤولية تغييره.
ليلى الحلقة 32

العواقب النفسية والسلوكية لدور الضحية

استمرار التقمص لدور الضحية يستنزف الطاقة العقلية والعاطفية للفرد. ومن أبرز آثاره:

الشعور الدائم بالعجز

يفقد الشخص ثقته بنفسه وبقدرته على اتخاذ قرارات أو التأثير في محيطه.

علاقات متوترة

يشكو الشخص باستمرار من خذلانه، مما يؤدي إلى تباعد الآخرين عنه وإضعاف العلاقات.

انعدام المبادرة

يتراجع الشخص عن تحقيق أهدافه بحجة الظروف أو ظلم الحياة.

التحوّل إلى شخص ناقد أو ساخط دائماً

يبدأ الشخص في رؤية نفسه كضحية، مما يزيد من شعوره بالاستياء.

لماذا يعتبر دور الضحية مدمراً؟

لأن من يتقمصه يعيش في "سجن وهمي" صنعه بنفسه، مما يعيق تحقيق أي نمو أو تغيير حقيقي. يمنع دور الضحية الفرد من التعلم من أخطائه، ويجعله يرى التحديات كإهانات بدلاً من كونها فرصاً للتطور. والأسوأ أنه قد يُعيد إنتاج نفس المواقف السلبية في حياته بشكل غير واعٍ لتأكيد "سرديته" كضحية.

كيف يمكن التحرر من دور الضحية؟

  • الاعتراف بالدور: الخطوة الأولى نحو التغيير هي إدراك أنني أعيش دور الضحية، وأنه ليس هويتي الحقيقية.
  • تحمّل المسؤولية: حتى لو لم أكن سببًا لما حدث لي، إلا أنني مسؤول الآن عن كيفية تعاملي معه.
  • التوقف عن لوم الآخرين: لا أحد مسؤول عن سعادتي أو نجاحي سوى نفسي.
  • إعادة كتابة القصة: بدلاً من رواية قصتي كسلسلة من المظالم، أبدأ في رؤيتها كرحلة نضج وتعلم.
  • طلب الدعم: أحيانًا، يحتاج الشخص إلى معالج نفسي لمساعدته في تفكيك هذا النمط المتجذر.

العيش بدور الضحية قد يبدو مريحاً في البداية، ولكنه يستنزف سنوات من حياة الإنسان دون أن يدرك. هو دور قد يبدو ناعماً، لكنه يترك أثرًا عميقًا على الروح والعلاقات والفرص. التحرر من هذا الدور لا يعني إنكار الألم، بل يعني الاعتراف به والقرار بعدم منحه سلطة قيادة حياتنا. في النهاية، لا يمكن أن نكون أحرارًا ما دمنا نقف في الزاوية ننتظر من ينقذنا. الحرية تبدأ عندما ننتبه لأنفسنا، ونختار أن نكون أبطال قصتنا بدلاً من ضحاياها.