الأدب العرفاني في الشعر والقصة والرواية

في خطوة جديدة نحو إثراء المكتبة العربية، صدر مؤخرًا عن دار "الوفاء لدنيا الطباعة" في مدينة الإسكندرية كتاب بعنوان "الأدب العرفاني في الشعر والقصة والرواية" للناقد والكاتب المتميز أحمد فضول شبلول. هذا الكتاب يعد نافذة تسلط الضوء على الظاهرة الروحانية والمسحة الصوفية التي تتجلى في العديد من الأعمال الأدبية، سواء القديمة أو الحديثة، من خلال منهج نقدي فريد يجمع بين النظرية والتطبيق.

يتضمن الكتاب نصوصًا تراثية غنية، مثل ديوان "ترجمان الأشواق" لمحيي الدين بن عربي، إلى جانب أعمال معاصرة لكتاب عالميين مثل إرنست همنغواي وإليف شافاق، وأدباء مصريين بارزين. فهو يهدف إلى تقديم رؤية شاملة عن تأثير العرفانية على الأدب بمختلف أشكاله.
محمد الفاتح مترجم الحلقة 26

ما هو الأدب العرفاني؟

يُعرَّف الأدب العرفاني على أنه إبداع يتميز بحالة من المعرفة الباطنية ذات الطابع الصوفي، والتي تهدف إلى رفع النفس البشرية إلى آفاق أعلى من الزهد والابتعاد عن الماديات. يسعى هذا النوع من الأدب إلى التركيز على الجوانب الروحانية في التراث الحضاري، مما يساهم في توسيع الأفق الفكري ويشجع الأفراد على التأمل في الكون ومكانهم فيه.

ديوان "ترجمان الأشواق" والبعد العرفاني

أحد الأعمال البارزة التي يتناولها الكتاب هو ديوان "ترجمان الأشواق" لمحيي الدين بن عربي، الذي كُتب منذ أكثر من ألف عام. في هذا الديوان، يصف بن عربي ابنة الشيخ زاهر بن رستم الأصفهاني، "نظام"، التي كانت شاعرة وأديبة تتسم بالجمال والأخلاق الرفيعة. يبرز وصف بن عربي لهذه الشخصية في إطار روحي وعرفاني، مشيرًا إلى خصالها التي تعكس حالة صوفية تتجاوز الطبيعة البشرية.

رواية "العجوز والبحر": لحظة عرفانية بين الإنسان والطبيعة

في رواية "العجوز والبحر" للكاتب إرنست همنغواي، يستعرض شبلول "لحظة عرفانية نادرة"، حيث يشعر الإنسان بوجوده الكامل مع الطبيعة في محيط من الماء والسماء. هذه اللحظات تمثل قربًا روحيًا حقيقيًا، مما يعكس العلاقة العميقة بين الإنسان وما يحيط به من عناصر طبيعية.

"قواعد العشق الأربعون" وثراء المعاني العرفانية

أما في رواية "قواعد العشق الأربعون" للكاتبة التركية إليف شافاق، فتتعدد الأصوات وتتنوع الأماكن، حيث تتداخل الأفكار الباطنية والظاهرية في سرد حياة شمس التبريزي وجلال الدين الرومي. تسلط الرواية الضوء على كيفية تحول أفكار شمس التبريزي إلى رمز من رموز التصوف وكيف أصبحت شخصيته جزءًا لا يتجزأ من العرفانية في تاريخ الإنسانية.

"عرش على الماء" والتناقضات بين العرفانية والشهوانية

في رواية "عرش على الماء" للروائي المصري محمد بركة، يتم تتبع حياة "مشهور محسن الوحش"، الذي يعيش بين لحظات من الهدوء والصخب، وبين العرفانية والشهوانية. يتأرجح الوحش بين عالمين مختلفين، حيث يعيش أحيانًا "ميت القلب حي الشهوة"، وأحيانًا أخرى "حي القلب ميت الشهوة".

الأدب العرفاني في القصة القصيرة

يتناول الكتاب أيضًا مجموعة القصص القصيرة "دمى حزينة" و"المعاطف الرمادية" للكاتب سمير الفيل، حيث يتم استخدام الرموز العرفانية مثل "الغزالة" في قصة "رائحة العطر"، والتي تشير إلى الروح الملائكية الشفافة في التصوف، كما في رمزية غزالة السهروردي. هذه العناصر تعكس عمق التجربة العرفانية في الأدب الحديث.