-

ذكرى رحيل شاعر الشعب بيرم التونسي

ذكرى رحيل شاعر الشعب بيرم التونسي
(اخر تعديل 2025-01-04 22:35:30 )
بواسطة

يحل علينا يوم الأحد، الخامس من يناير لعام 1961، ذكرى رحيل أحد أعظم رموز الشعر العربي، شاعر الشعب بيرم التونسي، الذي ترك بصمة واضحة في تاريخ الأدب المصري والعربي.
أنا بنت أبي الحلقة 191

لقد ترك بيرم إرثًا أدبيًا وفنيًا عميقًا، حيث يُعتبر من أبرز شعراء العامية في مصر، وصاحب تأثير كبير في عالم الزجل والأغنية المصرية. لقد كان أيضًا ناقدًا حادًا للأوضاع السياسية والاجتماعية في زمنه، مما جعل قصائده تلامس قلوب الناس وتعبّر عن آلامهم وآمالهم.

البداية: حياة مليئة بالتحديات

وُلد بيرم التونسي في الثالث والعشرين من مارس عام 1893 في حي الأنفوشي بالإسكندرية، لعائلة ذات أصول تونسية. عانى في صغره من فقدان والده، مما اضطره لترك التعليم والبحث عن عمل في سن مبكرة. على الرغم من ذلك، بدأ تعليمه في كُتّاب الشيخ جاد الله، ولكنه لم يستطع الاستمرار بسبب القسوة التي واجهها. انتقل فيما بعد إلى معهد أبي العباس المرسي.

توفي والده وهو في سن صغيرة، مما أجبره على الانقطاع عن التعليم نهائيًا في سن الرابعة عشرة. ورغم كل المعاناة التي عاشها، من فقدان والدته وزوجته الأولى، إلا أنه ظل يبحث عن وسيلة للتعبير عن مشاعره وأفكاره، ليجد ضالته في الزجل والكتابة.

الإبداع الفني: من الزجل إلى الأغنية

برز بيرم التونسي كواحد من أبرز شعراء الزجل، حيث قدم العديد من القصائد التي تناولت هموم الشعب وانتقدت السلطات الحاكمة. كانت قصيدته الشهيرة "المجلس البلدي" بداية مسيرته الأدبية، وقد أثارت جدلًا كبيرًا في الأوساط الأدبية والسياسية.

تعاون بيرم مع فنان الشعب سيد درويش في العديد من الأعمال الفنية التي مزجت بين الزجل والموسيقى الثورية، مثل أوبريت "أنا المصري". في مجال الأغنية، كتب العديد من الأعمال الخالدة لكوكب الشرق أم كلثوم، مثل "الأولة في الغرام"، و"أنا في انتظارك"، و"الآهات"، مما ساهم في ترسيخ مكانته في تاريخ الأغنية المصرية.

الصحافة: أداة للنقد الثوري

لم يكن إبداع بيرم التونسي مقتصرًا على الشعر فقط، بل اقتحم أيضًا مجال الصحافة من خلال إصدار جريدة "المسلة"، التي كانت بمثابة منصة لنقد الاستعمار والسلطة. وعلى الرغم من مصادرة الجريدة بعد عددها الثالث عشر، أطلق بيرم جريدة أخرى بعنوان "الخازوق"، التي تعرضت للإغلاق أيضًا بسبب هجومه المباشر على السلطان فؤاد.

النفي والمعاناة: بيرم في المنفى

دفع بيرم ثمن مواقفه الجريئة، حيث تم نفيه خارج مصر في عدة مراحل من حياته، عاش خلالها بين تونس وباريس. كانت ظروفه في المنفى صعبة للغاية، لكنه لم يتوقف عن الإبداع، بل كان يعبّر عن حنينه إلى وطنه في قصائده التي كانت تفيض بالشجن. عاد إلى مصر عام 1938 بعد عفو ملكي، ليواصل مسيرته الأدبية.

الاعتراف والتكريم: نهاية مشوار حافل

مع ثورة 1952، شهدت حياة بيرم التونسي تحولًا كبيرًا، حيث وجد في الثورة تجسيدًا لأحلامه الوطنية. وفي عام 1960، منح الرئيس جمال عبد الناصر بيرم الجنسية المصرية تقديرًا لمساهماته الأدبية والفنية. لكن، بعد عام واحد، رحل بيرم التونسي عن عالمنا بعد صراع طويل مع مرض الربو، تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا عظيمًا.

إرث بيرم التونسي: إبداع خالد

ترك بيرم التونسي إرثًا ثقافيًا هائلًا، مع مئات الأغاني والقصائد والمونولوجات التي تُردد حتى اليوم. ومن أبرز أعماله "الورد جميل"، "غنيلي شوي شوي"، و"محلاها عيشة الفلاح". كما أبدع في استخدام العامية المصرية بشكل جعل كبار الأدباء مثل طه حسين يعترفون بقدراته، حيث قال: "أخشى على الفصحى من عامية بيرم".

لهذا، يظل بيرم التونسي أيقونة ثقافية تُضيء سماء الإبداع المصري، وكلماته ما زالت تمثل صوت الشعب في مواجهة الظلم والتحديات، وتبقى ذكراه حية في قلوب محبيه وعشاق أدبه.